تقارير

الانتحار …. قضية حقوقية أم هروب من واقع مأزوم

كتب أحمد ابو رحمة
بدأت مؤخراً بعض الأصوات الناشطة العاملة في حقل حقوق الإنسان ؛ في بعض العواصمةالعربية ؛ وحتى الرسائل النصية والصوتية ؛ ولم تغيب رسائل الواتسب تتحدث بكلمات خجولة عن ظاهرة الإنتحار ؛ التي شاعت أخبارها في الشوارع العربية ؛ في ظل غياب حقيقي لأرقام المنتحرين ؛ وصمت لجمعيات حقوق الإنسان ؛ التي مازالت تتعامل مع هذه الظاهرة كحدث ثانوي .
لم يجد ناصيف ( ١٨) عاما أمامه حلاً إلا إنهاء حياته بعد أن خانته صديقته ( برأيه ) بقرارها الزواج من سواه ؛ لكن الحظ أسعفه إذ وجدته شفيقته فور تناوله الدواء وتمكنت من إسعافه ؛ بعد قراءة قصاصة الورق التي تركها قبل شروعه بالانتحار :
( الإنسان لا يختار ولادته … فلماذا لا يختار موته !! ) .
حالات كثيرة تشهدها المجتمعات العربية بشكل دوري لأشخاص قرروا وضع حدّ لحياتهم ؛ لن يكون آخرها الفتاة ( س ؛ م ) من المغرب ؛ التي شنقت نفسها على شرفة منزلها الأسبوع الماضي في مدينة مكناس ؛ لشعورها بالوحدة والعزلة كما زعم البعض ؛ حال ( س ؛ م ) كحال كثرين بتنا نسمع اليوم قصص انتحارهم ؛ فسيدة في بغداد تناولت سماً لعدم إنجابها الأطفال ؛ وآخر شنق نفسه بعد إفلاسه ؛ وشخص رمى نفسه من شرفة منزله لعدم تمكنه من تامين احتياجات أسرته الأساسية .
فبات الشارع العربي اليوم يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حالات الانتحار لأسباب عديدة لعل أهمها سوء الأوضاع الأقتصادية والمعيشية ؛ التي فاقمت معدلات الفقر والبطالة في ظلِّ الازمة ؛ إلى جانب غياب الحريات التي تسببت في إحداث حالة من الضغط النفسي لدى المواطنين ؛ ولاسيما شريحة الشباب ؛ بما زاد من معدلات اليأس ودفع بعضهم للجنوح إلى الانتحار .
يعدّ الانتحار أحد الأعمال التي تتسب عمداً في قتل المرء لنفسه أو انهاء حياته بإرادته ؛ لاعتقاد صاحبها بأن مماته أصبح أفضل من حياته ؛ ويحدث الانتحار لعدة عوامل منها النفسي حيث حلًل فرويد الانتحار بأنه عدوان تجاه الداخل ؛ ثمَّ قام عالم آخرٍ بتحديد ثلاثة أبعاد للإنتحار ؛ وهي : رغبة في القتل ؛ ثمَّ رغبة في الموت ؛ ثمَّ رغبة في أن يتم يتم قتله .
بدوره أشار المصور الصحفي عمّار زيتونة إلى انعكاس الوضع الأقتصادي والمعيشي على قرارات الناس دائماً ؛ وقال : ( لقد تضخمت الأسعار بحدود ٣٥٠ بالمائة وفقدت الليرة اللبنانية قرابة ٧٠ بالمائة من قيمتها ؛ وازدادات الفجوة بين الأجور والأسعار مع غياب إجراءات فاعلة لتقليصها ؛ وجلّ اهتمام الحكومة هو تأمين موارد للخزينة ولو من جيوب الفقراء ؛ وأشار إلى سماعه عن سيدة أضربت النّار في جسدها لعجزها عن تأمين مطالب أطفالها ؛ وختم حديثه قائلاً : ( الانتحار يبدو كقضية ولكنه سيبقى كضحية ) .
من جهتها قالت باحثة اجتماعية ( طلبت عدم ذكر أسمها ) : ( إنّ قضايا مثل العنف المنزلي والزواج المبكر والبطالة والتربية الخاطئة وعدم القدرة على تحمل المسؤولية ؛ تسهم في انتشار ظاهرة الانتحار ) ؛ وبينت أن أصحاب محاولات الانتحار ( مرضى نفسيون أهملت الأسرة والمجتمع رعايتهم ) ٠
المحامي سامي زخور رأي انَّ المشرع السوري تطرق لقضية الإنتحار على اعتبار قتل للنفس ؛ ولكنه لم يفرض عقوبة على المنتحر في حال تمَّ فعل الانتحار كما سابقاً في بعض المجتمعات ؛ بل فرض عقوبات على يحاول الانتحار ؛ وقال زخور : ( نصت المادة ٥٣٩ من قانون العقوبات على معاقبة من حمل إنساناً بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده بطريقة ما على قتل نفسه بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر إذا تم الانتحار ) .
واضاف ( كما يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين في حالة الشروع بالانتحار ونجم عنه إيذاء أو عجز دائم ؛ أما في حال كان الشخص المحمول أو المساعدة على الانتحار حدث دون الخامسة عشر من العمر أو معتوه فتطبق عقوبات التحريض أو القتل أو التدخل فيه ) .
بين التقرير السنوي لمنظمة الصحة العالمية المخصص للانتحار أن اكثر من ٨٠٠ ألف شخص ينتحرون سنوياً على مستوى العالم ؛ أي بمعدل ٤٠ شخص في الثانية ؛ أي حوالي -٤؛١/ بالمائة من الوفيات في جميع انحاء العالم الذي يجعله السبب الرئيس الخامس عشر للوفاة ؛ والسبب الثاني للوفاة عالمياً للفئة العمرية ( ١٥ – ٢٩ ) عاماً .
عربياً حلّ السودان في الصدارة بنسبة عالية اقل بقليل من نسبة الأسيوية ب ( -١٧ / بالمائة ) حالة انتحار لكل ١٠٠ألف ؛ وتعتبر نسبة الرجال أعلى بضعفين مقارنة بالنساء .
ولعل انتشار هذه الظاهرة بكثرة ملحوظة دفعت بالأمم المتحدة لإعلان اليوم العالمي لمنع الانتحار الموافق ١٠ أيلول من كل عام على أمل الحد من أعداده المتزايدة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق